• الموازنة ما بين العرض والطلب
    • إدارة شبكات التوريد

لماذا يتعين على الشركات إعادة التفكير في هيكلة شبكات التوريد الخاصة بها

  • المقالات

أدت الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب جائحة فيروس كورونا المستجد COVID-19 الحالية، إلى إعادة التفكير في كيفية قيام الشركات الأجنبية بهيكلة وتوزيع منشآتها الإنتاجية وشبكات التوريد الخاصة بها.

في البداية، جاءت الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين بالتزامن مع فرض الرسوم الجمركية العالية وبعض الإجراءات الانتقامية التي تسببت بحالة من عدم اليقين بالنسبة لشبكات التوريد في المراكز الصناعية العالمية.

وقبل أن تتمكن المفاوضات الثنائية من حل المشكلة بأي طريقة مرضية، جاءت الضربة القاضية التي تمثلت بجائحة فيروس كورونا المستجد، COVID-19، والتي عطلت حركة البضائع في جميع أنحاء العالم.

فلقد أجبرت جائحة فيروس كورونا الصين على إغلاق مدنها وإيقاف عمل المصانع فيها، مما أثر بشكل سلبي على أعمال توريد السلع التبادلية إلى الوجهات الدولية وزيادة المخاطر التي تواجهها الشركات في تأمين مصادرها من السلع من بلد واحد.

اضطرابات كبيرة في عمل شبكات التوريد

وفقاً لمعهد إدارة التوريد، أبلغ ما يقرب من 75 في المائة من الشركات الأمريكية التي شملتها الدراسة الاستقصائية في أوائل مارس 2020 عن اضطرابات في عمل شبكات التوريد الخاصة بها في مجالات معينة بسبب القيود المفروض على حركة النقل بسبب جائحة فيروس كورونا. في حين أن أكثر من 80 بالمائة من المشاركين في الدراسة الاستقصائية يعتقدون أن شركاتهم ستواجه بعض التأثير السلبية على أعمالها بسبب الاضطرابات الناتجة عن جائحة فيروس كورنا COVID-19 [1].

فقد توقفت شركات صناعة السيارات الأمريكية الكبرى مثل فورد وجنرال موتورز عن الإنتاج في مصانعها في أمريكا الشمالية في منتصف مارس، ولم يتم الإعلان عن أي مواعيد لإعادة تشغيل هذه المصانع.

وفي الإمارات العربية المتحدة، أظهر استطلاع أجراه المجلس الإماراتي الألماني المشترك للصناعة والتجارة حول تبعات جائحة فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق ذات الصلة التي تم فرضها على الشركات الإماراتية، أن نصف الأعضاء والشركاء يتوقعون أن يشهدوا انقطاعاً في تدفق السلع والبضائع – خاصةً من ألمانيا وأوروبا ومن ثم الصين ودول منطقة الشرق الأوسط. ويعتقد 70 في المائة من المستطلعين أنه لن يكون هناك أي بديل ممكن لهذه السلع. [2]

وفي دراسة أخرى نشرتها مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز بعنوان COVID-19 CFO Pulse Survey، يبدو أن 55 في المائة من المسؤولين الماليين في منطقة الشرق الأوسط أكثر احتمالاً من نظرائهم العالميين لدراسة تغيير شبكات التوريد الخاصة بهم. ولقد بدا ذلك بشكل واضح في المملكة العربية السعودية تحديداً، حيث قال 67 بالمائة من المشاركين في الدراسة أنهم سيفكرون في إجراء مثل هذا التغيير. [3]

أما على النطاق الأوسع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمن المتوقع أن يواجه لبنان، الذي يستورد ما يصل إلى 85 في المائة من احتياجاته الغذائية، نقصاً بسبب تباطؤ حركة الشحن من البلدان المصدرة حيث أدت جائحة فيروس كورونا إلى إغلاق الحدود وفرض القيود على حركة العمالة مما أثر بشكل سلبي على أعمال حصاد المنتجات الزراعية وتحميلها للشحن.

ولقد تحولت مثل هذه السيناريوهات فقط لتصبح أكثر شيوعاً حيث تواصل جائحة فيروس كورونا العدوى انتشارها في جميع أنحاء العالم.

النظر إلى ما هو أبعد من الموردين المباشرين

تتمثل شبكة التوريد الحديثة بكونها نظام معقد مع شبكة تصنيع متعددة المراحل تشمل العديد من مستويات الموردين. ويمكن لعدد قليل جداً من الشركات تتبع شبكات التوريد الخاصة بها خارج نطاق مورديها الرئيسيين. [4]

وها هي الشركات تستيقظ الآن لتدرك أنها بحاجة إلى التعمق أكثر في فهم شبكات التوريد الدولية الخاصة بها. ولهذا، يتعين على الشركات التدقيق في مكان وجود مورديها المختلفين وفهم الآثار المترتبة على ذلك في حال لم تتمكن من الحصول على مصادرها من بلد معين.

إن التأثير الذي يمكن أن ينتج عن المستويين الثاني والثالث من الموردين له نفس الأهمية كالموردين المباشرين.

ووفقاً لتقرير وكالة ماكينزي: "ستحتاج معظم القطاعات الصناعية إلى إعادة تنشيط شبكات التوريد الخاصة بها بشكل كامل، على الرغم من أن النطاق المتباين وتوقيت التبعات السلبية لجائحة فيروس كورونا المستجد يشيران إلى أن شبكات التوريد العالمية تواجه حالة من عدم الاستقرار في العديد من المناطق الجغرافية. وبالتالي فإن أضعف نقطة في شبكة التوريد ستحدد مستوى النجاح..." [5]

تنويع قاعدة الموردين

في خضم الحرب التجارية الصينية الأمريكية، نظرت الشركات إلى استراتيجية "الصين + 1": التي تمثلت في الحصول على المنتجات التفاضلية من الصين ومكان آخر، غالباً ضمن منطقة رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN). وقد نقلت الشركات الأجنبية نفسها إلى مواقع التصنيع الفرعية في فيتنام وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا للاستفادة من انخفاض التكاليف والأجور وتنوع المخاطر.

والآن مع تأثير تبعات جائحة فيروس كورونا COVID-19 على شبكات التوريد، تقوم الشركات الصناعية الأجنبية باستكشاف استراتيجية "الصين + 1 + 1". ومع توقف حركة الإمدادات من كل من الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا، بدأت الشركات بـتأمين مصادرها من السلع والبضائع من أوروبا، التي لم تقم بعد بإغلاق أسواقها حتى ذلك الحين.

وبعد تعلم هذا الدرس الصعب، بات من المحتمل أن يتم اقتسام المصادر المستقبلية جغرافياً بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا من ناحية، وأوروبا من ناحية أخرى لضمان تنويع قاعدة الموردين.

بينما سيفكر البعض الآخر في تقريب الإنتاج من الأسواق الغربية (على سبيل المثال، تركيا أو أوروبا الشرقية)، مما يعوض التكاليف الإضافية بأوقات عبور أسرع للسلع والبضائع - على أمل أن يجعل ذلك الشركات أقل عرضةً لأي اضطرابات مستقبلية.

ولقد شهد مصنعو المنسوجات الأتراك بالفعل تدفقاً للطلبات الجديدة بعد توقف المصانع عن العمل في الصين. وتتوقع جمعيات مصنعي الملابس التركية نقل 1-2 في المائة من الطلبات المفقودة في الصين إلى تركيا حيث بدأ المشترون الأوروبيون في التساؤل عن سبب توجههم إلى الصين منذ البداية.[6]

دور التكنولوجيا

ستلعب التكنولوجيا، الآن أكثر من أي وقت مضى، دوراً رئيسياً في تحديد شبكات التوريد والتحكم بها. ومن شأن تقنية Blockchain أن توفر رؤية أفضل وأشمل لشبكات التوريد.

ووفقاً لتقرير وكالة ماكينزي، فإن هناك ثلاث تقنيات جديدة يمكن أن تفيد شبكات التوريد وهي التشغيل الروبوتي للعمليات ومنصات تقنية المعلومات المفتوحة وتقنية النقل والشحن عند الطلب. [7]

وتعمل تقنية التشغيل الروبوتي للعمليات على جعل خيارات التخزين بالمستودعات خطوة تتطلب عدداً أقل من العمال في شبكة التوريد لأنها تساعدهم على التعامل مع المتطلبات المتغيرة السرعة لهذه القناة، وزيادة السعة التخزينية وخفض النفقات العامة للعمالة.

وتتيح منصات تكنولوجيا المعلومات إمكانية إدارة المعلومات عبر شبكات التوريد، مما يسمح بجمع البيانات والوصول إليها في كل مراحل من مراحل عملية التوريد. "حيث تعمل على تبسيط تدفق المعلومات، وتحرير المؤسسات من الاعتماد على مصدر توريد واحد ويجعل من الممكن اختيار أفضل الحلول المتوفرة ضمن هذا المجال التي من شأنها تلبية الاحتياجات المحددة للعمل."

على غرار خدمات النقل والشحن المشتركة، فإن شركات خدمات النقل عند الطلب تستخدم برامج ذكية لمطابقة العرض والطلب على مساحات الشحن المتوفرة في الوقت الفعلي. "يمكن للشركات استخدام أنظمة المزادات عبر الإنترنت لبيع وشراء مساحات الشحن، وزيادة مستوى الاستخدام وخفض التكاليف." [7]

وبالنسبة للشركات الكبيرة، فإن الشفافية تعني أيضاً الحد من تحديات الاستدامة في شبكات التوريد وإدارة المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG).

وتقوم البنوك مثل HSBC باستخدام التكنولوجيا لدعم الموردين بشكل أفضل من خلال التمويل المنظم لشبكات التوريد، مما يتيح لشركات التوريد الصغيرة إمكانية الاستفادة من الوضع الائتماني لعملائهم من المؤسسات والشركات الكبيرة. كما أنها تستفيد أيضاً من إجراءات العمل المبسطة للغاية لعرض الفواتير وتتبعها [8].

سيناريوهات "ماذا لو"

بشكل عام، لا تنظر الشركات إلى التخطيط للطوارئ بكثير من الأهمية إلا بعد وقوع حدث أو مشكلة مفاجئة، وحتى عند وقوع مثل هذه المشاكل، فإنها لا تقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع أسوأ السيناريوهات. ويتم النظر إلى الجائحة الحالية على أنها حدث طارئ لن يحدث سوى مرة واحدة خلال القرن. وآخر مشكلة تعرض لها العالم بمثل هذا الحجم كانت جائحة الإنفلونزا الإسبانية التي حدثت في عام 1918.

وتتطلع الشركات الأجنبية العالمية إلى تطبيق أساليب إنتاج بسيطة وعند الحاجة تم شراؤها في نموذج التوريد العالمي - مع وجود الصين في مركزها – لكونها مصدر توريد أرخص وأكثر فعالية.

وفي حين أن هذا كان منطقياً من وجهة نظر تجارية، إلا أنه كان ينبغي على هذه الشركات التخطيط لسيناريوهات "ماذا لو". ماذا لو لم نتمكن من الوصول إلى الصين؟ ماذا لو لم نتمكن من الوصول إلى آسيا؟ ماذا لو نظرنا إلى القطاعات الصناعية الأخرى لتعويض أي مشاكل محتملة؟

ولقد أجبر الوضع الحالي قادة شركات الأعمال على رؤية نقاط الضعف في شبكات التوريد الخاصة بها. وتميل الشركات بشكل عام إلى خوض المعركة الأخيرة – حيث ستقوم فرق الإدارة بالاستفادة مما تعلموه من الأزمة الأخيرة التي تواجهها واعتماد الاستراتيجيات اللازمة بشأنها. فعلى سبيل المثال، بعد تعرض الاقتصاد العالمي لأزمة مالية عالمية خلال العقد الماضي، قامت البنوك باتخاذ إجراءات لإعداد نفسها لمواجهة أية أزمات مستقبلية من هذا القبيل. ولكننا في حالة جائحة فيروس كورونا المستجدCovid-19 ، نواجه شيئاً طارئاً وغير متوقع. وحتى قبل ثمانية أشهر، كان من غير المحتمل أن تكون هناك أي شركة تخطط لمواجهة تبعات أي جائحة عالمية، على الرغم من الاحتمال الدائم لوجود مثل هذا التهديد.

وبالتالي، تحتاج الشركات إلى الأخذ بالاعتبار المخاطر التي تعرف بموجودها بالفعل، لأنها حدثت من قبل، وكذلك تحديد التوقعات للاستعداد للمخاطر غير الموجودة حالياً. وبالتالي يجب أن يتم إعادة عبارة "ماذا لو" إلى قاموس الأعمال.

بحاجة للمساعدة؟

ابق على اتصال لمعرفة المزيد حول حلولنا المصرفية وكيفية قيامنا بمساعدتك على تعزيز أعمالك.